نصرة الحسين (عليه السلام) باستنقاذ عباد الله من الجهالة وحيرة الضلالة

421

بسم الله الرحمن الرحيم

نصرة الحسين (عليه السلام)
باستنقاذ عباد الله من الجهالة وحيرة الضلالة(1)

تبقى صرخة الإمام الحسين (عليه السلام) واستغاثته: (هل من ناصر) التي أطلقها يوم عاشوراء تستنهض الأجيال حتى تقوم دولة الحق الكريمة، وليست هي موجهة إلى الموجودين في ساحة المعركة يومئذ عليهم، فقط لإقامة الحجة فإنه (عليه السلام) كان يعلم بأن الشهادة قد حان موعدها، ولا يغني عنه الناصر، وهو القائل لابن أخيه القاسم ابن الحسن لما صرع (عز على عمك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك فلا يغني عنك).
فالصرخة والدعوة للنصرة هي لكل الأجيال، وإنما تكون نصرته (عليه السلام) بإدامة العمل حتى تحقيق أهداف حركته المباركة التي أعلنها في العديد من كلماته الشريفة، واختصرها الإمام الصادق (عليه السلام) في زيارته لجده الحسين (عليه السلام) التي رويت في مناسبة العشرين من صفر التي تتوجهون لإحيائها وورد في زيارة العيدين، فقال (عليه السلام): (وقد بذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة) فضحى (عليه السلام) ليستنقذ العباد من الجهالة والضلالة.
فما دام هذان الداءان الوبيلان يفتكان بالأمة فيجب أن يستمر العمل الدؤوب في سبيل الله تعالى لاستنقاذ الأمة منهما وإلا فإنهما سيؤديان إلى هلاكها وموتها المعنوي وستدخل في تيه الضلالة وتبتعد عن المنهج السليم، وان كانت بحسب الظاهر تعيش حياتها المادية ولكن [إنْ هُمْ إلا كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً] (الفرقان:44).
والجهالة أوسع من المصطلح المعروف في مقابل العلم، واستقراء الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة يكشف عن أنها تعني فعل الشيء بخلاف ما حقّه أن يُفعل فيمكن أن تكون في الاعتقادات [وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ] (آل عمران: 145).
ويمكن أن تكون في القوانين والتشريعات [أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُون] (المائدة:50) .
ويمكن أن تكون في التصرفات وأنماط السلوك [إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى] (الفتح:26).
ولم يُمدح العلم بما هو علم وإنما يُقدّس بمقدار ما يؤدي إلى الحق من الإيمان والعمل الصالح، وقد ذم الله تبارك وتعالى علماء أهل الكتاب وغيرهم لأنهم لم يستثمروا علمهم للاهتداء إلى الحق فكان علمهم وبالاً عليهم [وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ. وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ] (الأعراف:175-176).
أما المفردة المستعملة في الموارد المحمودة فهي (المعرفة) التي تعني سكون النفس واطمئنانها إلى الحق لأنها تعرفه ولا تنكره، فقد ورد في تفسير قوله تعالى [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ] (الذاريات:56) أي (ليعرفون) وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (أول الدين معرفته) أما العلم بالحقيقة فإنه وحده لا يكفي، فكم من عالم بالحق ولكنه يعانده [وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ] (النمل:14).
وحينما وصفت الأمم قبل الإسلام بالجاهلية فليس لعدم وجود العلم فيها، فانها بلغت مرتبة فائقة فيه كالطب عند الرومان والإعمار عند الفراعنة وفي اليمن وبلاد الرافدين [أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ] (الأنعام:6) [أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا] (الروم:9) وإنما كانت جاهلية لعدم المعرفة بالله تعالى والاهتداء إلى الحق.
أما الداء الثاني فهي الضلالة وهي التيه والعدول عن الطريق المستقيم فهي تقابل الهداية إلى الحق، قال تعالى: [فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا] (يونس:108).
وللضلال مقدمات تؤدي إليه منها اتباع الهوى [ولا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ] (ص:26) ومنها الانسياق وراء الشهوات التي يزينها الشيطان والنفس الإمارة بالسوء [وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ] (النساء:119) [وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلاً كَثِيراً] (يس:62) [وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً] (النساء:60) وارتكاب الظلم والكفر والفسق [وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ] (البقرة: 26) [كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ] (غافر:74) [وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ] (إبراهيم:27).
ولذا ورد التأكيد من الله تبارك وتعالى لنبيه الكريم (صلى الله عليه وآله): [فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ] (هود:112)؛ لأنه ليس بعد الاستقامة إلا الضلالة وان اختلفت درجاتها ومراتبها.
ولأن الإمام (عليه السلام) سبب إنقاذ الأمة من الجهالة وحيرة الضلالة فقد ورد في وصفه(عليه السلام) انه (مصباح الهدى وسفينة النجاة) بلحاظ إنقاذه الأمة من المرضين.
فالنجاة من الفتن والجهالة والضلالة يتحقق باتباع أهل البيت ومن أوصوا باتباعه من العلماء المجتهدين المخلصين لله ولرسوله والمتفانين في إنقاذ الناس وإصلاح حالهم.
وتقع عليكم- يا طلبة الحوزة العلمية الشريفة والمثقفين الرساليين- أكثر من غيركم مسؤولية مواصلة نهج الإمام الحسين (عليه السلام) وتحقيق أهداف ثورته المباركة، أما عامة الناس فجزاهم الله خير جزاء المحسنين بإحيائهم للشعائر الحسينية وتفانيهم في تقديم الخدمات رغم ما هم عليه من فقر وحرمان ومحن.
فاغتنموا هذا الموقع الشريف الذي من الله تعالى به عليكم من دون الناس وجعلكم محلاً لألطافه الخاصة وابذلوا كل ما بوسعكم وعُضّوا عليه بالنواجذ ولا تفرّطوا فيه.