إحياء الشعائر الحسينية سبيل للهداية
إحياء الشعائر الحسينية سبيل للهداية ([1])
الحمد لله والحمد حقه كما يستحقه حمداً كثيراً وصلى الله على أكرم خلقه عليه وأحبّهم إليه محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.
إنه لمن الألطاف الإلهية والتأييد الرباني هذه المسيرة المليونية الكبيرة بما تتضمنه من مشاهد إعجازية؛ حيث يشارك فيها الشيخ المسنّ والمرأة الضعيفة والأطفال الصغار حتى الرُضّع الذين تضنُّ بهم أمهاتُهم عن أبسط أشكال الأذى والإيلام وإذا بها تعرّضه للشمس الحارّة نهاراً والبرد ليلاً وتسير به في العراء مئات الكيلومترات مشياً على الأقدام دون اصطحاب العدة المناسبة لرعاية الأطفال.
ولا تحسُّ من أحد منهم وهم ملايين أي شعور بالضجر والسأم والملل بل الكل مندفعون متحمسون تكاد أرجلُهم لا تحملهم من الفرح ونشوة الانتماء لحصن ولاية أهل البيت (عليهم السلام) المنيع.
إن أي جيش في العالم يجنّد مئات طائرات النقل وآلاف العربات والشاحنات لتموين وتجهيز قطعاته المنتشرة في مساحة معينة؛ ومع ذلك يحصل عنده العجز والخلل، وهو أقل عدداً من هذه الملايين الزاحفة ولا يغطي مساحة بسعة المدن والمناطق التي انطلقت منها هذه الحشود الزاحفة إلى قبر أبي عبد الله (عليه السلام).
فما هذه المحركية الهائلة التي تجنّد الجميع في إقامة الشعيرة المقدسة بين من يمشي على قدميه وآخر يقدّم الطعام والشراب وثالث يقوم بالخدمات الطبية ورابع يسعف الزائرين ويتبرك بغسل أقدامهم؟
إنه الإخلاص والصدق في ولاء النبي وآله الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) الذي ألقاه الله تبارك وتعالى في قلوب المؤمنين ليكون أجر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على تبليغ الرسالة [قُلْ لا أسألُكُم عَلَيهِ أجراً إلا الموَدَّةَ في القُربَى] (الشورى:23).
هذه المشاهد التي تنقلها وسائل الإعلام تجعل العالم كله يقف إجلالاً وهيبة لهذه الروح الكبيرة، وتثير حقد وغضب من نصبوا العداوة لأهل البيت (عليهم السلام) الذين قال فيهم الله تبارك وتعالى [أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً] (النساء:54) ويفسرها الإمام الباقر(عليه السلام) بقوله: (نحنُ الناس المحسودون).
ولإظهار عجزهم عن إيقاف هذا المد الإلهي الهادر لجأوا إلى الأساليب الخسيسة في استهداف الزوار بالرصاص والأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة والعالم كله يشهد أن الزوار أناسٌ أبرياء يسيرون عُزَّلاً من كل شيء، وهذا الانحطاط منهم ورثوه من أسلافهم الذين لم يتورعوا حتى عن قتل الرضيع ضمآناً وإحراق البيوت وسبي النساء ورضِّ الأجساد الطاهرة بحوافر الخيل وقطع الرؤوس.
أيها الأحبة..
أن ردّكم الحاسم الذي تجيبون به أولئك الأراذل هو بهذا التواجد العظيم في الشعائر المقدسة [وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ] (الحج:32) لتُدخلوا اليأس عليهم بمواصلة السير بإصرار على نهج الأئمة الأطهار وان لا تحيدوا عنه قيد أنملة.
إن هذه الشعائر مظهر من مظاهر العزة والكرامة والشرف والفضيلة لأهل البيت النبوي الطاهر (صلوات الله عليهم أجمعين) تبهر الناس وتجعلهم يفكّرون ملياً في الالتحاق بهذه المدرسة الشريفة التي أرسى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أسسها وشاد أركانها الأئمة الطاهرون بدمائهم وجهودهم وجهادهم وهي أمانة في أعناقكم أن تحافظوا عليها.
إنكم بإحيائكم هذه الشعائر تنالون أجراً فوق أجوركم باهتداء الكثيرين إلى نهج أهل البيت (سلام الله عليهم) واستبصارهم وتكونون مصداقاً لقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين (عليه السلام) (يا علي لئن يهدي الله بك رجلاً خيرٌ مما طلعت عليه الشمس وما غربت) وقد نقل لي أحد الفضلاء ممن شارك في إرشاد الحجاج إلى مناسكهم في الموسم الأخير أن (63) شخصاً من أهل مكة وحدها استبصروا واهتدوا إلى ولاية أهل البيت النبوي الطاهر وهم يمارسون دعوة أهلهم وأقربائهم إلى هذا الشرف العظيم، وكل ذلك ببركة هذا الصوت المبارك الذي انطلق من رحاب أرض علي والحسين (عليه السلام) والكاظمين والعسكريين (عليهم السلام) التي ستكون عاصمة الإمام المنتظر الموعود (أرواحنا له الفداء) ومنطلق حركته العالمية المباركة.
يا إخوة الإيمان..
تذكروا وانتم متوجهون لزيارة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) في هذه المناسبة الشريفة فضل زيارته عموماً وزيارة الأربعين خصوصاً حتى جُعلت من علامات المؤمن، وتذكروا فضل من قصد قبره الشريف مشياً على الأقدام ففي كتاب مفاتيح الجنان عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله (من أتى قبر الحسين (عليه السلام) ماشياً، كتب الله له بكل خطوة ألف حسنة ومحا عنه ألف سيئة، ورفع له ألف درجة).
وحافظوا أيها الأخوة على آداب الزيارة ومنها ما رواه الثقة الجليل محمد بن مسلم عن الإمام الباقر (عليه السلام) (يلزمك حسن الصحبة لمن يصحبك ويلزمك قلة الكلام إلا بخير، ويلزمك كثرة ذكر الله، ويلزمك الخشوع وكثرة الصلاة، والصلاة على محمد وآل محمد، ويلزمك التحفظ عما لا ينبغي لك، ويلزمك أن تُغضي بصرك من المحرمات والمشتبهات، ويلزمك أن تعود على أهل الحاجة من إخوانك إذا رأيت منقطعاً، والمواساة، والورع عما نهيت عنه، وترك الخصومة وكثرة الأيمان والجدال الذي فيه الأيمان).
وزيدوا من ربح تجارتكم مع الله تعالى باستثمار مسافة الطريق بكلمة هداية وموعظة ونصيحة وتعليم أحكام الشريعة لكثير من أبناء العشائر والقرى والأرياف الذين لم يصلهم صوت الإرشاد والتوجيه الديني وأوصلوا إليهم صوت الحق والهدى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
سدد الله خطاكم وضاعف لكم الأجر ورزقكم شفاعة الإمام الحسين (عليه السلام) يوم الورود.
([1]) الخطاب الذي ألقاه سماحة الشيخ اليعقوبي وهو يشارك السائرين مشياً على الأقدام لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) بين النجف الأشرف وكربلاء ضمن موكب طلبة جامعة الصدر الدينية في النجف الأشرف وفروعها في المحافظات وبمشهد من حشود الزائرين يوم الخميس 18/صفر/1428 المصادف 8/3/2007 تعظيماً لهذه الشعائر المباركة ورداً على العمل الإجرامي الذي استهدف مواكب الزوار في الحلة في اليوم السابق واستشهد فيه العشرات.