النخب ومسؤولية العنوان -رؤية قرآنية-
كتب الشيخ عماد مجوت
احد طلبة جامعة الصدر الدينية
النخب ومسؤولية العنوان ” رؤية قرآنية “
البنية المعرفية للمثقف عموما ، والنخب على وجه الخصوص، تنطلق من آس ما يؤمن به من خلفيات يتكئ عليها معرفيا ، ويمارسها في واقعه العملي وجوديا،ومن هنا كان للعنوان الذي يحمله دخالة في صياغة شخصيته ، ومنها كونه من النخب.
وهذا العنوان قد يتصل بالفرد بما يرتبط به من عنوان له جهة معنوية كما في الإنتساب إلى معلم مقدس مثل الشهادات العلمية العالية، ومواقع المسؤولية، مما يوجب عليه مسؤولية قانونية و أخلاقية حيال هذا العنوان تزيد عن غيره ، فالمسؤولية تساوي قيمة العنوان، تتضاعف معه سعة وأهمية، ومن هنا كان العتاب لهم أكبر منه لغيرهم في عدة نواح منها :
١_ من ناحية كونهم في صدارة التنوير وحركة الإصلاح، كما في قوله تعالى ﴿إِنّا أَنزَلنَا التَّوراةَ فيها هُدًى وَنورٌ يَحكُمُ بِهَا النَّبِيّونَ الَّذينَ أَسلَموا لِلَّذينَ هادوا وَالرَّبّانِيّونَ وَالأَحبارُ بِمَا استُحفِظوا مِن كِتابِ اللَّهِ وَكانوا عَلَيهِ شُهَداءَ فَلا تَخشَوُا النّاسَ وَاخشَونِ وَلا تَشتَروا بِآياتي ثَمَنًا قَليلًا وَمَن لَم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الكافِرونَ﴾[المائدة: ٤٤] .فالتَّوراةَ التي فيها هُدًى وَنورٌ ودستور للحياة كما “يَحكُمُ بِهَا النَّبِيّونَ الَّذينَ أَسلَموا لِلَّذينَ هادوا ” كذلك يحكم بها و” الرَّبّانِيّونَ وَالأَحبارُ” بهذا العنوان لأجل ما يحملونه من وصف وهو” بِمَا استُحفِظوا مِن كِتابِ اللَّهِ وَكانوا عَلَيهِ شُهَداءَ” .فالمسؤولية تحتم عليهم ما على الأنبياء، والتخلي عنها موجب للذم ﴿وَإِذ أَخَذَ اللَّهُ ميثاقَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنّاسِ وَلا تَكتُمونَهُ فَنَبَذوهُ وَراءَ ظُهورِهِم وَاشتَرَوا بِهِ ثَمَنًا قَليلًا فَبِئسَ ما يَشتَرونَ﴾[آل عمران: ١٨٧] .
٢_ من ناحية تحمل الحفاظ على البنية الاجتماعية الصالحة﴿لَولا يَنهاهُمُ الرَّبّانِيّونَ وَالأَحبارُ عَن قَولِهِمُ الإِثمَ وَأَكلِهِمُ السُّحتَ لَبِئسَ ما كانوا يَصنَعونَ﴾[المائدة: ٦٣]. فالرَّبّانِيّونَ وَالأَحبارُ أولى الناس بالعتاب لتحمل مسؤولياتهم، وهم أولى بذم ما كان يصنعون .
٣_ أن النخب عموما، وأهل العلم خصوصا، لا يتناسب مع شأنهم متابعة الهوى ، والمساومة على الحق مهما كانت المبررات ،بل هم أولى الناس بالتمسك بمقتضيات عنوانهم ﴿وَلَئِن أَتَيتَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعوا قِبلَتَكَ وَما أَنتَ بِتابِعٍ قِبلَتَهُم وَما بَعضُهُم بِتابِعٍ قِبلَةَ بَعضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعتَ أَهواءَهُم مِن بَعدِ ما جاءَكَ مِنَ العِلمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظّالِمينَ﴾[البقرة: ١٤٥] .
فمع عظيم منزلته صلى الله عليه وآله وسلم يقال له ” وَلَئِنِ اتَّبَعتَ أَهواءَهُم مِن بَعدِ ما جاءَكَ مِنَ العِلمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظّالِمينَ ” لان مقتضى عنوانه يحتم عليه ذلك، وكذلك قوله تعالى﴿وَكَذلِكَ أَنزَلناهُ حُكمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعتَ أَهواءَهُم بَعدَما جاءَكَ مِنَ العِلمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلا واقٍ﴾[الرعد: ٣٧] .
٤_ أن مسؤولية النخب التوقف والاحتياط في إصدار الأحكام ، والقراءات الفكرية قبل تمامية، وإيجاد ارضيتها المناسبة ، اذا لم تكن مقدماتها محكمة، وتامة؛ لأنها مضان الفتن الإجتماعية والنفسية﴿هُوَ الَّذي أَنزَلَ عَلَيكَ الكِتابَ مِنهُ آياتٌ مُحكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذينَ في قُلوبِهِم زَيغٌ فَيَتَّبِعونَ ما تَشابَهَ مِنهُ ابتِغاءَ الفِتنَةِ وَابتِغاءَ تَأويلِهِ وَما يَعلَمُ تَأويلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرّاسِخونَ فِي العِلمِ يَقولونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِن عِندِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلّا أُولُو الأَلبابِ * رَبَّنا لا تُزِغ قُلوبَنا بَعدَ إِذ هَدَيتَنا وَهَب لَنا مِن لَدُنكَ رَحمَةً إِنَّكَ أَنتَ الوَهّابُ﴾[آل عمران: ٧-٨].فمدحهم تعالى لتوقفهم، ووصفهم بأنهم “أُولُو الأَلبابِ”، في قبال من خاض في المشتبهات حيث وصفهم “في قُلوبِهِم زَيغٌ ” .
٥ _ مسؤولية النخب والعلماء لا يكونوا حيث يكون الناس ،في المنعطفات الحياتية التي تستتبع أحيانا تكوين عقل جمعي يمارس نشاط المخالفة للشريعة والهداية ، فهم متميزون، فإذا نزل بالحركة الجمعية نازل كانوا هم في مأمن منه ، قال تعالى﴿فَبِظُلمٍ مِنَ الَّذينَ هادوا حَرَّمنا عَلَيهِم طَيِّباتٍ أُحِلَّت لَهُم وَبِصَدِّهِم عَن سَبيلِ اللَّهِ كَثيرًا * وَأَخذِهِمُ الرِّبا وَقَد نُهوا عَنهُ وَأَكلِهِم أَموالَ النّاسِ بِالباطِلِ وَأَعتَدنا لِلكافِرينَ مِنهُم عَذابًا أَليمًا * لكِنِ الرّاسِخونَ فِي العِلمِ مِنهُم وَالمُؤمِنونَ يُؤمِنونَ بِما أُنزِلَ إِلَيكَ وَما أُنزِلَ مِن قَبلِكَ وَالمُقيمينَ الصَّلاةَ وَالمُؤتونَ الزَّكاةَ وَالمُؤمِنونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤتيهِم أَجرًا عَظيمًا﴾[ا
لنساء: ١٦٠-١٦٢] . فالمقابلة ذما ومدحا فرع المسؤولية، وهي لازم العنوان.
فالعنوان مسؤولية وإلتزام ﴿.. أَلَم يُؤخَذ عَلَيهِم ميثاقُ الكِتابِ أَن لا يَقولوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الحَقَّ وَدَرَسوا ما فيهِ وَالدّارُ الآخِرَةُ خَيرٌ لِلَّذينَ يَتَّقونَ أَفَلا تَعقِلونَ * وَالَّذينَ يُمَسِّكونَ بِالكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنّا لا نُضيعُ أَجرَ المُصلِحينَ﴾[الأعراف: ١٦٩-١٧٠] .